سامي عبد الرؤوف عكيلة.. ناشط في مجال التنمية البشرية

المشهد التاريخي الأول: خرج سيد مكة عبد المطلب ليفاوض أبرهة الذي كان في طريقه لهدم الكعبة عنوان مكة الديني والدنيوي، فسأله عن مائتين من الإبل كان أبرهة قد غنمها في طريقه، هنا ضجر أبرهة قائلاً: ويحك يا رجل أتيت لأهدم دينك ودين آبائك وأنت تسألني عن مائتين من الإبل؟! فقال عبد المطلب قولته الشهيرة: أما عن الإبل فأنا رب الإبل، وأما عن البيت فللبيت رب يحميه. ويخبرنا القرآن الكريم أن الله تعالى أرسل على أصحاب الفيل طيراً أبابيل رمتهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول، وبقيت الكعبة عزيزة وكفى الله أهل مكة القتال.. انتهى المشهد.

المشهد التاريخي الثاني: دخل القرامطة إلى صحن الكعبة في يوم التروية عام 317هـ وقتلوا من حجاج بيت الله من قتلوا، ولم يسلم من سيوفهم حتى الذين تعلقوا بأستار الكعبة المشرفة، وحمل زعيمهم أبو طاهر القرمطي الحجر الأسود إلى السماء وقال بصلف وكبر: أين الطير الأبابيل؟! أين حجارة السجيل؟! ومعلوم أن الله في هذه الحادثة لم يرسل الطير الأبابيل ولم تتساقط على رؤوس المعتدين حجارة السجيل التي شهدتها رؤوس أصحاب الفيل! وعاد القرامطة من مكة غانمين بالحجر الأسود حتى عام 339هـ .. انتهى المشهد.

بالجمع بين المشهدين التاريخيين للمراجعة والتأمل يتبدى لنا سؤال مهم.. لماذا لم يرسل الله تعالى الطير الأبابيل ليحمي بيته من القرامطة كما حماه في المرة الأولى من أصحاب الفيل؟!. وللذين يسارعون في الإجابة بأن ذنوب الأمة ومعاصيها وبعدها عن دين الله هو الذي منع الطير الأبابيل نقول: إن أهل مكة الذين نزلت حجارة السجيل في عهدهم لم يكونوا موحّدين أصلاً بل كانوا كفرة فجرة يعبدون الأصنام من دون الله.. إذن أين العلة في غياب الطير الأبابيل عن الأمة الإسلامية طيلة هذا الزمن السحيق؟! والذي انتُهكَت فيه محارمُها واستُبيحت أرضُها ودُنست قدسُها ومُزِّق قرآنُها واستهزئ برسولها صلى الله عليه وسلم من قبل شذاذ الآفاق ولقطاء التاريخ؟!. القصة وما فيها _والخطاب موجه للأمة الإسلامية في كل مكان _ أن سُنّةً جديدة قد اختص بها الله جل في علاه أمةَ محمد صلى الله عليه وسلم وهي مولودة مع ميلاده عليه الصلاة والسلام بعد حادثة الفيل في مكة بخمسين يوماً فقط وتتمثل في قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبتْ أَقْدَامَكُمْ (7) (محمد).. وهذه السنة نسخت سنة التدخل الإلهي المفاجئ لصالح العاصين المتقاعسين المفرطين باشتراطات الانتصار، حتى لو كان الأمر يتعلق بشرف الكعبة؟! نعم حتى لو وصل الأمر لذلك وأبعد، لأن زمن الأبابيل قد ولى مع أبرهة وعبد المطلب بلا رجعة.. ولو كان هناك بقية باقية لعهد أبرهة لما انهزم المسلمون في معركة أحد وفيهم ومعهم أشرف وأعظم البشر محمد صلى الله عليه وسلم.. نعم انهزمت العصابة المؤمنة لأنها فرَّطت في واحد من استحقاقات النصر المكتوبة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فالله تعالى ما كان له ليمنح النصر لأحد مجاناً وبلا ثمن حتى ولو كان هذا الأحد جنده وحملة لوائه وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمر تكرر في معركة حنين التي أُصيب فيها المؤمنون بالعجب والفخر بعدتهم فلم تغن عنهم من الله شيئاً وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ولكن عندما عالجت القيادة الحكيمة أثناء المعركة هذا المرض الخبيث الذي حال دون الانتصار حقق الله وعده بنصر رسله والذين آمنوا.

ولا يعني هذا أن التدخل الإلهي الحاسم للمعارك لصالح المؤمنين قد انتهى بل إن الإيمان بذلك من كمال الإيمان وتمامه، ولكنه تدخل لا يكون إلا في حال وفَّرَ المؤمنون استحقاقات هذا التدخل والمتمثلة في تحقيق شروط الانتصار، ولا يتعين أن يكون التدخل الإلهي على شكل طير أبابيل أو خسف.. بل بصور مختلفة كدب الرعب في قلوب العدو، أو نزاع في صفوفه، أو فساد في قيادته، أو وباء معدٍ، أو انهيار اقتصادي..الخ

إن كانت الأمة الإسلامية التي تعيش أدنى هبوطٍ لها تنتظر طيراً أبابيل ترمي جيوش أمريكا وربيبتها إسرائيل ومن لف لفهم بحجارة من سجيل، فهي كالظمآن الذي يجري خلف سراب بقيعة يحسبه ماء.

إن إحسان الظن بالله كشرط من شروط الانتصار والتدخل الإلهي وحدة لا يكفي, وفي الحديث القدسي في الصحيحين، قال الله تعالى في الحديث القدشي: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) وقال حسن البصري: “وإنّ قوماً ألهتْهم أمانيُ المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، وقالوا: نحن نحسن الظن بالله، وكذبوا؛ لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل”, وقال أمير الشعراء أحمد شوقي:
وما نيْل المطالب بالتمني ** ولكن تؤْخذ الدنيا غِلابا

وما كان الله تعالى ليجعل جزع النخلة أن تساقط رطباً جنية على مريم وهي تحمل في أحشائها رسولاً من أولي العزم “عيسى عليه السلام” لولا أن حققت أمره في هزِّه ابتداءً وهي في أوهن حالاتها، وما كان الله تعالى ليخرج الماء من الأرض ليغتسل به أيوب عليه السلام من مرضه ويشفى وهو من أنبيائه وحملة رسالته لولا أن حقق أمر الله في أن ضرب الأرض برجله وهو في أوهن أحواله، وما كان الله ليفجر عيون زمزم لـ”هاجر” زوج إبراهيم عليهما السلام لتشرب وابنها المرسل اسماعيل لولا أشواط الصفا والمروة السبعة في صحراء مكة الرمضاء.

سنن الله في الصعود والهبوط والنصر والهزيمة لا تحابي أحداً مهما كان، ومطلوب من الأمة الإسلامية أن تكف عن المنِّ بإسلامها وإيمانها، فالأمة هي التي تتشرف بالدين وليس الدين الذي يتشرف بها، والله تعالى لن يتوانى عن سحب تكليفه بالاستخلاف لهذا الجيل من الأمة إن بقي غير محقق لاستحقاقات التمكين والنهوض، يقول تعالى: “وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ”

وبعد هذا كله يلوح في الأفق سؤال خطير: هل من الممكن أن يستطيع الإسرائيليون هدم المسجد الأقصى المبارك في فلسطين؟!

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫4 تعليقات

  1. والله صدقت في كل كلمة يا أستاذ سامي هذه حالنا للأسف وهذه امتنا هي من تأخذ نفسها للهوان ليعود الإسلام غريبا كما أتى
    ونعم للأسف وان كنا لا نتمنى ٨٠٪ ان لم يكن ٩٩٪ سيهدم الأقصى المشرف
    فهاهي الفئتين الحاكمتين الفلسطينيتين فتح وحماس كل واحدة تدعي الأحقية وأنها الصواب لدرجة انهما نسيا لماذا التقاتل ؟
    وها هم حكامنا بدون استثناء أفسدوا بلادهم وظلموا شعوبهم ونسوا قواعد الإسلام البسيطة وان الأرض والشعب أمانة عندهم
    وها هي الشعوب الإسلامية بمعظمها تتلاشى كل وراء قائد فاسد أيضاً
    ويقتلون ويقتلون ولا يعرفون لماذا وأين لصالح من!
    والله المستعان

  2. والله يا اخ سامي طالما يوجد رجال نقضوا ما عاهدوا الله عليه وتحولوا من الجهاد واعلاء كلمة الله عز وجل الى مذبذبين لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء !! كامثال اشباه الرجال السوريين وايضا المصريين !!! وتقمصت النساء ادوار الرجال بغير حق !! اعتقد جواب سؤالك بات اخطر !!!!!!!!!!!

  3. مقال مهم و جميل
    لنا عودة باذن الله

    أصلا معجزة من الله تعالى ان الاقصى مازال واقفا بعد ان جعلو الارض تحته و حوله كلها خنادق … هل لاحظتم ايضا بمعظم القنوات و وسائل الاعلام كلما تكلمو عن المسجد الاقصى ”” يتعمدون ”” إضهار قبة الصخرة (إعلامنا العربي مخترق و يعمل ضدنا انصح بعدم متابعة قنوات الكذب و التضليل بل الاجتهاد و البحث و دراسة و تقصي الحقائق)

  4. للمعلق رياض لمين
    رأيت موضوعك المحذوف للتو .. الله يرحم الشاب عقيل.
    الرزق من عند الله

    أعتذر على نشر تعليقي بالصفحة .. نظرا لعدم ارتباطه بالموضوع

    أنصحك بتفرج حلقة:
    هاذي هي حياتي- للشاب جلول (مغني تائب ما شاء الله)

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *