قبل عقود من الزّمان، تساءل الكاتب المصريّ المعروف مصطفى محمود (ت 2009م) رحمه الله: “لماذا يتحوّل رمضان إلى شهر ترفيهي بدلا من شهر روحاني؟”، ثمّ استطرد قائلا: “لست شيخا ولا داعية، ولكنّي أفهم الآن لماذا كانت والدتي تدير التلفاز ليواجه الحائط طوال شهر رمضان.. كنت طفلا صغيرا ناقما على أمي التي منعتني وإخوتي مشاهدةَ فوازير (برامج التّرفيه) بينما يتابعها كلّ أصدقائي، ولم يشف غليلي إجابة والدتي المقتضبة: “رمضان شهر عبادة مش فوازير”..

وأضاف مصطفى محمود قائلا: “مرّت السنوات وأخذتني دوامة الحياة وغطى ضجيج معارك الدراسة والعمل على همسة سؤالي الطفولي، حتى أراد الله أن تأتيني الإجابة على هذا السؤال من رجل مسن غير متعلم في الركن الآخر من الكرة الأرضية، كان ذلك الرجل هو عامل أمريكي في محطة بنزين اعتدت دخولها لشراء قهوة أثناء ملء السيارة بالوقود في طريق عملي، وفي اليوم الذي يسبق يوم الكريسماس دخلت لشراء القهوة كعادتي فإذا بي أجد ذلك الرجل منهمكا في وضع أقفال على ثلاجة الخمور، وعندما عاد لأخذ حساب قهوتي سألته وكنت حديث عهد بقوانين أمريكا: لماذا تضع أقفالا على هذه الثلاجة؟ فأجابني: هذه ثلاجة الخمور وقوانين الولاية تمنع بيع الخمور في ليلة ويوم الكريسماس يوم ميلاد المسيح.. نظرت إليه مندهشا وقلت: أليست أمريكا دولة علمانية؟ لماذا تتدخل الدولة في شيء مثل هذا؟ قال الرجل: الاحترام.. يجب على الجميع احترام ميلاد المسيح وعدم شرب الخمر في ذلك اليوم حتى وإن لم تكن متديّنا”.

هذا الموقف الذي رواه الكاتب المصريّ مصطفى محمود، مرّت عليه عقود من الزّمان، تطوّرت خلالها الأمور في بلاد الغرب، وانعكس هذا التطوّر على بلاد المسلمين، حيث تخلّت كثير من وسائل الإعلام عن مبدأ احترام خصوصية شهر رمضان تدريجيا، وأصبح لدى كثير منها لا يعدو كونه فرصة مناسبة لزيادة عدد المتابعين لبرامجها، وهو ما حداها للتّنافس في رصد شبكات برامجية ضخمة تتنوّع بين برامج الضّحك والإثارة والبرامج التاريخية والاجتماعية، وتستهدف المشاهدين في الفترة الممتدّة بين الإفطار والسّحور، وهي الفترة التي يقضيها كثير من أفراد المجتمعات العربيّة والإسلاميّة أمام القنوات أو أمام الأنترنت، ويرون أنّهم ينبغي أن يرفّهوا فيها عن أنفسهم بعد يوم شاقّ من الصيام والتّعب والإرهاق.

مفهوم ومقبول أن يبتغي المسلم وقتا للرّاحة والتّرفيه عن النّفس في ليالي رمضان، لكنّ هذا الوقت لا ينبغي أبدا أن يكون على حساب الرّوحانيات التي يُفترض في حقّ العبد المؤمن الذي يعرف لرمضان قدره أن يبحث عنها في ليالي الشّهر الفضيل راجيا عفو ربّه وعتق رقبته ولين قلبه وصفاء روحه.. لا يليق أبدا لعبد مسلم يعلم أنّ رمضان يمكن أن يكون بالنّسبة إليه فرصة لا تتكرّر ولا تعوّض، لأنّه ربّما لا يعيش رمضان آخر بعد رمضان الذي تنسحب أيامه ولياليه من بين يديه سريعا.. لا يليق بمن يعلم هذا أن تلهيه برامج القنوات لساعات طويلة عن الهدف الأسمى الذي يعود لأجله رمضان كلّ عام.. لا يليق أبدا أن يعكف العبد المؤمن في وقت الإفطار الذي يجاب فيه الدّعاء ويحقّق الرّجاء وترفع فيه أعمال اليوم إلى المولى سبحانه، على برامج الضّحك والإثارة، ويعطيها أثمن الأوقات، ويتمادى معها بما يجعله يتأخّر عن صلاة التّراويح، ويصلّي في الصّفوف الأخيرة، حيث لا يجد للصّلاة طعما، وربّما يتمادى في الانتقال من قناة إلى قناة حتى تفوته التّراويح، ويفوته قيام ليالي رمضان، ويحرم نفسه فرصة من أعظم فرص مغفرة الذّنوب، وعتق الرّقاب.

نتمنّى ونأمل للقائمين على الإعلام في دول المسلمين أن يراعوا حرمة الشّهر، ويأخذوا في الحسبان شرف تلك السّاعات العظيمة التي تعقب الإفطار وتسبق الأسحار، فيبثّوا لعباد الله المسلمين ما يعينهم على حسن استغلالها، ولا بأس بعد ذلك أن يبثّوا في السّاعات الأخرى ما يُجمّ الأفئدة ويسلّي الأرواح بما أباح الله، بعيدا عن الإثارة وبعيدا عن التّهريج الذي يبلغ حدّ الابتذال وحدّ الاستهتار بشعائر الدّين وقيم المجتمع.
سلطان بركاني

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫12 تعليق

  1. موضوع جليل ومن الضروري طرحه في هذا الوقت للتذكرة (وإن الذكرى تنفع المؤمنين) أحسنت الطرح وفقك الله ونفع بك وجزاك عنا خير الجزاء

  2. غاليتي نور و سلام …..
    أولاً دعيني أتمنى لكِ و لعائلتك و بلدِك التي نعشق رمضان مُبارك و أن يُعينكم الله على صيامِهِ و قيامِه …… و كعادتي مع ما تنقُلين و تكتُبين أفقدُ الحروف و لا تُسعفني الكلمات لأُعبّر عن إعجابي ليس فقط بالمنقول و لكن بكرم الناقل الذي أبت نفسه إلا أن يُشاركنا ما قرأ ، بالنسبة للموضوع و بشكل عام أصبح مفهوم حياتنا تجاري بحت و بعيد عن الروحانيات و لهذا فإن الإعلام و قنواته لم و لن تُراعي حُرمة الشهر الفضيل سوى بعبارة رمضان كريم التي تلتصق بإعلانات لمُنتجات أكثر شعوبنا غير قادرة على إقتنائها و بنقل لصلاة تراويح أحياناً تكون مُقتطعة و لهذا فبرأيي المُتواضع الذي قد لا يعني شيئاً لأحد أعتقد أن الموضوع يجب أن يوجّه للأفراد و ليس لمن ينتظر الشهر الفضيل ليملأ بالمال جيوباً مُمتلئة أصلاً على حساب شعوب فقيرة مادياً يهدفون لجعلها فقيرة دينياً أيضاً و الْكُل لهذا من المُطبلين ، فلمّ نلوم التاجر و نَحْنُ من إشترينا بضاعته و لو لم نفعل لما فعل …..
    تحياتي و رمضان مُبارك للجميع …
    !!

  3. رايد يس، شكرا لمرورك، وجزاك الله كل خير

    أختي آخر العنقود، جعلك الله ممن يصوم أيامه ويقوم لياليه وتقبل منا ومنك وجعلنا وجعلكم من عتقائه

    أردتها ربما تبرئة ذمة موجهة لنورت بالأساس كونها محسوبة على الإعلام العربي، لعلها تحترم قارئها في شهر رمضان على الأقل
    لكنك أكيد لاحظتِ عبارتي التي كررتها عدة مرات، وهي أن افساد الممثلين والممثلات في نظري ينتهي بضغطة على زر الريموت، وبهذا فرأيي من رأيك أن الأفراد من يهتمون لنظافة أعينهم أن تنفتح على ذلك العفن المقصود، مع أني لاأشاهد أفلاما ولا مسلسلات( الا بعض المسلسلات التاريخية أحيانا للأولاد لتقوية لغتهم) لا في رمضان ولافي غيره، ولكن نورت كفيلة بتكوين رأي بخصوصهم
    لا أتصور أن يجلس صائم يقلب القنوات وكتاب الله لو قرأه وبحث في التفاسير، أو حاول الحفظ لما كفاه اليوم بليله، ناهيك عن دروس الفقه والروحانيات التي يزخر بها اليوتيوب والتي تدعم صيام المسلم، كيف بعد كل هذا أن أسمح لنفسي بمشاهدة من ملأت فضائحهن صفحات المجلات طيلة السنة
    وعلى غرار الهاشتاج الذي أطلقته شكران مرتجى كما قالت نورت لمشاهدة الدراما السورية، ليتنا نتداول هاشتاجات تدعو الى ترك المسلسلات والاهتمام بثلاثين يوم او ربما تسع وعشرين لملأ رصيدنا السنوي
    #لا هيفا ولا غادة، رمضان للعبادة ?
    وسلامي عزيزتي لك ولفلسطين الحبيبة

  4. لن ننتظر من وسائل الاعلام خصوصا التلفزة ان تراعي حرمة رمضان لان بالاول و الاخر هي تجارة و مكسبها من البرامج و المسلسلات … لازم الواحد من نفسه يتوقف عن المتابعة بهذا الشهر الكريم ..

  5. لا يحق لهذه القنوات الإعلامية ان تتعامل باحترام مع شهر رمضان مادام هي لا تتعامل مع حُرَّمْ الله بنفس الصرامة !
    فقنوات وشعوب وحكومات تمارس الإرضاع فوق تحت على مدى 11 شهر ثم تريد ان تخادع الله في شهر واحد وتأخذ جنة ؟؟؟!! ويكتب لها دخولها في الشهر الكريم وبعدها تقول كما قال شوقي عن الخمرة بعد انتهاء شهر رمضان : آتنا بها يا ساقي فمشتاقة تبحث عن مشتاقِ !!!!
    فما تتعدلون يا أيتها الشعوب والحكومات والحكام الاذلاء والشيخات والشيوخ وجوقات المتأسلمين الطائفين ، كل شهور وأيام السنة والا ليكن حالكم في شهر رمضان اسوء واسوء ولا تنالون فيه رحمة ابدا مادام صومكم رياء ومخادعة لله جبار السماوات والارض سبحانه ، وهيهات ان يخدع الجليل عن جنته التي عرضها عرض السموات بتصنع توبة وقتية ! ولا وفقتم لا لفطر ولا لاضحى !!
    من يريد ان يتوب فليتب قبل رمضان ويستبدل إرضاع الكبير والمسيار بالمتعة ! والحزن لمصاب محمد وال محمد عليه وعليهم افضل الصلاة ، في ذكرى مصابهم مثلما الفرح في ذكرى سرورهم ….
    التوبة يجب ان تكون نصوحة وليست مؤقتة في شهر واحد فقط او ايام العمرة حيث اعتمرن كل الفنانات المشلحات او اغلبهن ثم عدن لمهنتهن وكانهن نشطن من عقال !!
    الله لا يوفقهن ولا يوفق من يصوم شهر رمضان دون ان تكون نيته التوبة النصوح .

  6. قيل:يوزع بالسلطان مالا يوزع بالقرآن، وبلداننا ممن المفروض تسمى اسلامية وحكوماتنا كذلك، فأبسط ماينبغي ان يفعله الحاكم مراقبة الاعلام وضبطه بالضوابط الشرعية، فديننا جاء ليطبق على كل المستويات وليس على المستوى الشخصي فقط، ورب قانون أُصدر حفظ كثيرا من المسلمين، أما المؤمنون فإنهم عن اللغو معرضون فمابالك بمشاهدة الفسق البواح
    شكرا لمروركم

  7. *كونوامن أهل القرآن*

    ? *تدبر آية*

    ? *الجزء الرابع – سورة آل عمرآن*

    ?(وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ) 133

    ✏أمرهم تعالى بالمسارعة إلى مغفرته وإدراك جنته التي عرضها السموات والأرض فكيف بطولها.

    ?تيسير الكريم الرحمن/ السعدى
    〰〰〰〰〰〰〰〰〰

    ?لما رغب الله تعالى في الجنة قال: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة (سابقوا…)

    ?ولما اباح طلب الدنيا قال: (فامشوا في مناكبها)

    ⚠فلا يصلح أن يكون العكس فيكون الإسراع والمسابقة للدنيا ومشي الهوينا للآخرة والحزم كله في قوله تعالى (ففروا إلى الله).

    ?د/ناصر العمر
    〰〰〰〰〰〰〰〰

    ? كل الطرق مراقبة بأحهزة ضبط السرعة ⛔
    إلا الطريق إلى الله مكتوب عليه ( و سارعوا إلى مغفرة من ربكم )

    ?نايف الفيصل
    〰〰〰〰〰〰〰〰

    ? من أعظم الغبن ، أن يخبرنا الله فى كتابه بأن جنته التى أعد الله لعباده المتقين ( عرضها السموات و اﻷرض )
    ثم لا يجد أحدنا فيها موضع قدم

    ?نايف الفيصل
    ➖➖➖➖➖➖➖➖➖

    ? *العمل باﻵية* ?

    ? اسبقى اليوم غيرك إلى عمل صالح رجاء أن تدخلى فى هذه اﻵية

    ➖➖➖➖➖➖➖➖

    *(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)*
    [سورة آل عمران 134]

    ? العفو أبلغ من الكظم ، ﻷن العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسئ و هذا إنما يكون ممن تاجر مع الله ، و عفا عن عباده رحمة بهم و إحسانا

    ? السعدى / تيسير الكريم الرحمن
    〰〰〰〰〰〰〰〰

    ? *( و الكاظمين الغيظ )*

    إنهم ليسوا جمادات لا تشعر ، و لا تحس بل يشعرون بالغيظ و الحنق و اﻷلم ، و لكنهم يحبسونه و لا ينتقمون

    ? عبد الله بلقاسم
    〰〰〰〰〰〰〰〰

    ? *العمل باﻵية* ?

    ? أكظمى اليوم غيظا و احتسبى اﻷجر عند الله … رجاءا أن تدخلى فى هذه اﻵية و تكونى من المتقين [ *أعدت للمتقين* ]

    و تكونى ممن يحبهم الله
    *[ و الله يحب المحسنين ]*

    ????????

  8. موضوع جميل شكرًا لك اختي نوروسلام هو اقرب لسؤال استنكاري نعرف جوابه مسبقا بل وتوبيخي لكن نطرحه لنلفت الإنتباه لظاهرة سادت في اعلامنا وقنواتنا
    أذكر وانا صغيرة كانت برامج رمضان على القنوات المغربية مميزة عن باقي الأوقات حيت كانت تخصص اوقات لمسلسلات دينية وبرامج تجيب عن الأسئلة الدينية و بث جلسات من الأمداح والذكر قبل الإفطار متبوعة بتلاوة القرآن ونفس الشيء بعد السحور كان هذا أكثر وقت تكون فيه برامج التلفزية مفيدة بل والتلفاز نفسه دون ان أنسى فترة الحداد بعد موت الملك الحسن2 غفر الله له رغم أني غضبت جدا حينها لأَنِّي لم أستطع متابعة رسومي المتحركة المفضلة?

  9. هذا بالضبط ماقصده الكاتب، ولهذا السبب نقلته، بارك الله فيك
    رأيتك تسألين عن البرامج، أستمع احيانا وانا في المطبخ لبرنامج دينا قيما، للشيخين النابلسي وعمر عبد الكافي، وتعجبني فتاوى الشيخ المصلح على الرسالة، غير هذا لا أضيع وقتي في تقليب القنوات، في رمضان او في غيره
    ولكني ألجأ كثيرا لليوتيوب

  10. Nor Salam
    كيفك شو أخبارك؟ لقيت موضوع لمشروعي يلا فوتي مشان أحكيلك عنه وأخد رأيك .. أهلي قسم موافق علي وقسم عم يقولوا الموضوع كبير عليي. بحب اسمع رأيك 🙂

  11. أهلا شامية
    بخير نحمد الله، يارب تكون أمورك بخير كذلك
    أشكرك للثقة وعذرا لعدم الدخول، مشغولة كثير بدراسة الأولاد
    اكتبي عن الموضوع هنا وسأجتهد في الرد متى سنحت لي الفرصة

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *