مرسلة من صديق نورت vip

من قصص الأنبياء :

كان ليعقوب من البنين أثنا عشر ولداً ذكراً ، وكان يوسف وأخوه بنْيامين أصغرهم .

وكان يعقوب يحبُّ يوسُف أكثر من إخوته ، ويُظهر هذا الحُب فيغارُ إخوته منه . وفى ذات ليلة دخل يوسف فى فراشه ونام ، فرأى حلماً عجيبا ، فلمّا قام من نومه ذهب إلى أبيه وقال له : ” يا أبت إنى رأيت أحد عشر كوكبأً والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين ” ( 4 ) سورة يوسف .

ففكر يعقوب فى حلم يوسف فعرف أن الله سيجعله عظيماً فى الدنيا والآخرة ، ولمّا يعقوب يعرف أن إخوة يوسُف يغارون منه ، خاف أن تدفعهم الغيرة ويحرضهم الشيطان فيُؤذوه ، فقال له : ” يا بُنىّ لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً ، إنّ الشيطان للإنسان عدوّ مبين ” ( 5 ) سورة يوسف .

وسكت يعقوب قليلاً ثم قال ليوسُف : لقد أراك الله هذه الرؤيا العظيمة ، فإذا كتمتها يخصّك ربك برحمته ، ويُعلمك تفسير الأحلام ويتم نعمته عليك وينال آل يعقوب بسببك الخير الكثير ، سيجعلك الله عظيماً ويعطيك النبوة كما أعطاها لأبويك من قبل إبراهيم وإسحاق ، إستمر يعقوب يكلم يوسف ، ويوسف يسمع منه ، ويُفكر فى الحلم العجيب .

كان يعقوب يحتضن يوسف وأخاه بنيامين ويُلاعبهما ، وكان أولاده ينظرون إليه وهو مشغول عنهم بهما ، فيحسون غيظاً لأن يوسف وبنيامين إنفردا بحبّه ، وترك الأولاد المكان وخرجوا يتحدثون ، فقال أحدهم : إن أبانا يحب يوسف وأخاه أكثر مننا .

وقال أخر فى غيظ : إننا جماعة ، وإننا أحق بالمحبة من يوسف وأخيه .

وقال ثالث : إن أبانا لفى ضلالٍ مبين .

وقال رابع : أقتلوا يوسف أو إبعدوه إلى أرض لا يرجع منها ، فيبقى لنا حب أبينا ، ثم نتوب بعد ذلك من هذه الفعلة ، ونصبح ناساً صالحين .

وإرتفع صوتُ يوافق على هذا الرأى : فلنقتله لنستريح منه .

وكادوا يوافقون على قتله ، ولكن أحدهم منهم قال : ” لا تقتلوا يوسف وألقوه فى غيابت الجُب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين ” ( 10 ) سورة يوسف .

فصاح أحدهم : هذا هو الرأى .

وإتفقوا على أن يلقوا يوسف فى الجُب ليتخلصوا منه ، ويخلو لهم وجه أبيهم .

ذهب الأولاد لأبيهم فوجدوه يحتضن يوسف ويلاعبه ، فقال له أحدهم : يا أبانا ما لك لا تدع يوسف يذهب معنا ليلعب ؟

فقال يعقوب : لا أطيق أن أفارقة ساعة .

فقال آخر : أرسله معنا غداً يلعب ويتمتع .

فقال لهم أبوهم : إنى ليحزنى أن تذهبوا به .

فقال : إتركه يلعب ويفرح ، إنه محبوس هنا دائماً .

فقال يعقوب : أخاف أن تنشغلوا فى لعبكم وتتركوه ، فيأتى الذئب فيأكله .

فقال قائل منهم : كيف يأكله الذئب ونحن كثيرون ؟!

والتفوا بأبيهم يقولون : لا تخش عليه شيئاً ، دع يوسف يخرج معنا يفرح ويلعب ، لماذا لا تأمنُنا على يوسف ونحنُ نحبه ونحب ان يذهب معنا .

وإستمروا يرجون أباهم حتى قبل رجاءهم ، وأرسل يوسف معهم ، فخرجوا من عنده مسرورين .

خرج الاولاد وخرج يوسف معهم وما غابو عن عين أبيهم حتى اخذوا يمشتمون يوسف ويُهينونه ، وساروا حتى وصلوا إلى البئر ، أخذوا من يوسف قميصه الذى على جسمه ودلّوه فى البئر وذهبوا .

وجد يوسف نفسه فى الجُبّ فشعر بخوف ، ولكن لم يستمر هذا الخوف طويلاً ، لأن الله أذهب عنه الخوف وأخبره أنه لابدّ له من مخرجٍ من هذه الشده ، وإنه سينجوا ويعيش مكرماً .

وقف الأولاد يفكرون فيما يقولونه لأبيهم ، فرأوا أن يقولوا إن الذئب أكله ، وأرادوا أن يبرهنوا له على صدقهم ، فأخذوا قميص يوسف ولطّخوه بدم معزه ذبحوها .

إنتظر الأولاد حتى غابت الشمس وجاء الليل ، ثم ذهبوا على أبيهم وهم يبكون ، فلما رآهم يعقوب ولم ير يوسف معهم شعر بانقباض وقال فى لهفة : أين يوسف ؟

قالوا : ” يا أبانا إنّا ذهبنا نستبقُ وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب ، وما أنت بمؤمنٍ لنا ولو كُنا صادقين ” ( 17 ) سورة يوسف .

فقال يعقوب فى غضب : تكذبون .

قالوا : إننا نعلم أنك لن تصدقنا ، ولكن هذا قميصه ، وقدموا له قميصه ، فوجد به آثار دم ، ولكن لم يجد به أثار أسنان ، فقد نسوا ان يخرقوه ! فعلم انهم فعلوا بأخيهم شيئاً وأن الذئب لم يأكله .

وحزن يعقوب على يوسف ولكنه صبر على حزنه ، وقال لأولاده : بل فعلتم بأخيكم أمراً ، فصبرُ جميل .

كانت قافلة قادمة من الشام ذاهبةً إلى مصر ، ومرّت القافلة بالبئر التى القى فيها يوسف ، وذهب رجل يحضر ماء ، فلما أدلى دلوهُ تعلّق فيها يوسف ، فلما رآهُ ذلك الرجل ففرح وقال : بشرى هذا غلام ، وأخذه وعاد إلى القافلة .

وسافر التجار حتى وصلوا إلى مصر فذهب الرجل بيوسف إلى سوق الرقيق ليبيعه ويقبض ثمنه ، وذهب وزير مصر إلى السوق ، فلما رأى يوسف أعجب به ، فتقدم واشتراه بدراهم قليلة .

وعاد الوزير إلى بيته ومعه يوسف ، فلما دخل على زوجته فرحت بالغلام ، لأنها لم تكن لديها أولاد وقال لها الوزير : أحسنى إليه فقد ينفهنا إذا كبر ، وقد نجده غلاماً طيباً ذكيّاً ، فنجعله إبننا .

وبقى يوسف فى بيت الوزير ، يحوطه بعطفه وعنايته ، ومرّت السنون وكبر يوسف حتى شبّ فكان رائع الحُسن ، جميل الصورة .

رأت إمرأة الوزير جمال يوسف وقوته ، فأحبته ، وفى ذات يوم لبست أحسن ثيابها وتزيّنت ودخلت على يوسف وأغلقت الباب خلفها واقتربت منه وأرادت أن تظهر له حبها ، فقالت له : أنا لك وملك يدك .

ونظر يوسف إلى جمالها ولكنه تذكر ربه الذى خلصه من الجُبّ فدارى وجهه وقال : معاذ الله ، زوجك هو سيدى ، وقد أكرمنى وأحسن إليّ فلا أسيئ إليه ، ولا أعصى ربّى الذى أنقذنى .

وذهب إلى الباب ليفتحه ويخرج ، فأسرعت إليه تشدّه ، فأمسكت بقميصة فإنشق من الخلف ففتح يوسف الباب فرأى الوزير أمامه ، فلمّا رأت زوجه الوزير زوجها أمامها واقفاً ، أرادت أن تتهم يوسف بأنه حاول الإعتداء عليها فقالت لزوجها : لقد أراد يوسف بإمرأتك سوءاً ، وإن جزاءه السجن والعذاب الأليم .

فقال يوسف يُدافع عن نفسه : إنها هى التى عرضت نفسها علىّ .

وغضب الوزير وجاء رجلُ كان قريب زوجته ، فلما سمع القصة من الوزير فقال له : إذا كان قميصه قد شُقّ من الأمام فهى صادقة وهو كاذب ، وإذا كان قميصة قد شُقّ من الخلف فهو صادق وهى كاذبة .

ووجد قميصة قد شُقّ من الخلف ، فنظر الوزير إلى زوجته فى غضب ، وقال لها : إن هذا كله من مكرك ، والنساء مكرهنّ عظيم .

ونظر إلى يوسف وقال له : لا تذكر ما حصل لاحد .

وطلب من زوجتها ان تستغفر من ذنبها وأن تتوب .

إجتمع نساء الأمراء وبنات الكبراء ، وتحدثن عن إمراة الوزير ، وكُنّ يلُمنْها على حُبّها ليوسُف ، قلن : إمرأة العزيز تعرض نفسها على يوسف ، إنها إمرأة سيئة .

وسمعت إمراة العزيز بتشنيع النسوة ، لأنها أحبّت فتاها ، فغضبت وحبت أن تظهر لهنّ عُذرها ، فأرسلت إليهنّ فجمعتهنّ فى منزلها ، وأحضرت لهنّ تُفاحاً ، وآتت كلّ واحدةٍ منهنّ سكيناً ، ثم ألبست يوسف أحسن الثياب ، وأمرته أن يخرج عليهنّ فخرج يوسف عليهنّ بجماله ، فلما رأينه لم يصدقنّ عيونهنّ ، فما كان فى بنى آدم أحسن منه ، وأخزنّ ينظرنّ له فى دهش ، ونسينّ أنفسهنّ ، وجعلنّ يحززنّ فى أيديهنّ بالسكاكين ، بدل أن يقطعنّ التفاح ، ولا يشعرن بالجراح ، وقلن : حاش لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملكُ كريم ” ( 31 ) سورة يوسف .

فقالت إمرأه العزيز : هذا الذى لُمتنى فيه ، وقد طلبته لنفسى فامتنع ، ولئن لم يفعل ما آمرته به ليُسجننّ .

فقالت له النسوة :

لماذا لا تسمعُ لسيدتك ؟

فقال : ” ربّ السجنُ أحبُّ إلىّ مما يدعوننى إليه ، وإلا تصرف عنّى كيدهُنّ أصبْ إليهنّ وأكُنْ من الجاهلين ” ( 33 ) سورة يوسف .

وإمتنع يوسف عن أن يُطيع كلام سيدته ، لأنه كان يخاف الله …

عبد الحميد جودة السحّار .

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫29 تعليق

  1. شكرا اخ vip على هذه القصة المعبرة …. ان قصة يوسف فيها عبر كثيرة كما قال تعالى (لقد كان في يوسف واخوته آيات للسائلين ) صدق الله العظيم ( الاية السابعة ) ،،، فمن العِبَر التي يجب ان نعتبر بها كثيرا في حياتنا وتربيتنا لابنائنا هو عدم اظهار الاهتمام بابن دون الآخرين حتى لا يحدث للأبناء ما حدث ليوسف واخوته !!! بالطبع لا نستطيع ان نحب ابناءنا كلهم مثل بعضهم ، وكما يُقال ( القلب وما يعشق ) لكن يجب الا نُظهر هذا الحب علانية امام الابناء الآخرين … اعتقد ان هذا هو الدرس الاهم من قصة يوسف عليه السلام مع ابيه يعقوب ( اسرائيل ) عليه السلام واخوته من ابيه …فحب يعقوب ليوسف واخيه الصغير كان بسبب حب يعقوب لامهما الكبير والتي توجها وهو كبير في السن … فانعكس هذا الحب على يوسف واخيه ، واهمل الى حد ما ( وهو النبي ) ابناءه الآخرين من زوجته الأولى التي توفاها الله فزاد كرههم ليوسف واخيه …

  2. بسم الله الرحمن الرحيم

    (مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ )

    شكرا فيب قصه رائعه جدااا
    توب تعليقك كتير حلو

  3. من العبر من سوره يوسف الكثير مما ذكره الاخ توب وايضا من ترك شي لوجه الله عوضه الله بما هو خير فسيدنا يوسف ترك الزنا وهو بعز شبابه وفضل السجن خوفا من الله
    والصبر كيف صبر لقضا الله وقعد بالسجن بل والاعتماد علي الله
    والتسامح راينا كيف غفر لإخوته ولم يعاديهم
    بارك الله فيك VIP

  4. الجُب ، هو البئر المحفور ، وشكرا اختي الكريمة سوزي ، والشكر موصول الى أخي العربي …والغيابة ، هي مكان قريب من فتحة البئر ناتئة يستطيعان يقف عليها من يريد انتشال الماء عندما يكون الماء بادنى مستوياته حتى يصل بالحبل الى الماء ، وينزل عليه الشخص بادلائه الى تلك الغيابة …

  5. احب ان أقرأ قصة يوسف …ففيها كل العبر
    مشكور فيب مسبقا مع تكملة قصة يوسف …عليه السلام

  6. شُكراً على مروركم الراقى ، وجزاكم الله خيراً على الإضافات فى تعليقاتكم .
    عيد أضحى مُبارك وكُل عام وأنتم بخير …

  7. ((رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ))

    رضي الله عن الصحابة اجمعين خير القرون وافضل البشر بعد الانبياء والرسل عليهم السلام
    شكرا لك اخي vip

  8. شكرا اخ فيب على تعبك معنا في سرد قصص الانبياء ..
    قصة رائعة جدا ..
    انا فرحانة وسعيدة كثير بمواضيعك الجميلة والرائعة ..

  9. جزاك الله خيراً فيب علي مجهودك الرائع،وعيد أضحي مبارك عليك وعلي كل المسلمين ان شاء الله

  10. إلين ، Abdel- Wahab , مغربية وأفتخر ، إخيليس ، May & Sara
    شكراً لمروركم الجميل ، و ( صباح – مساء ) سعيد إن شاء الله …

  11. الله يخلّيك يا تريبل يا عسل ، أنا تمام والحمد لله ، إنشالله تكون إنت كمان بخير .

  12. جميل ماقرات يا vip …..
    بارك الله في الكاتب والناقل …
    بسم الله الرحمن الرحيم
    لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين
    صدق الله العظيم
    قصه جميله وفيها عبر رائعه جدا ……

  13. شكرا لم اخ فيب على هده القصص الرائعة بارك الله فيك
    لنا في قصة يوسف عليه سلام ورضوان الله عبر كثيرة اهمها الصبر على الادئ ,,والغفران لمن اساء الينا , وتقبل القضاء والقدر.
    يقال ان يوسف عليه السلام اعطي نصف الجمال , ادا كان يوسف عليه السلام أعطي نصف الحسن، فمحمد صلى الله عليه وسلم أعطي الحسن كله.
    أن الله جل وعلا حينما كسا محمداً بالجمال كسا جمال محمد بالهيبة والجلال والوقار، فما كان أحد يجرؤ على أن يملأ عينيه من نور وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك دخل أعرابي والنبي صلى الله عليه وسلم يتعبد لله جل وعلا فارتعد الأعرابي واصفر لونه، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ويقول له: (هون عليك يا أخي! أنا لست ملكاً من الملوك، إنما أنا ابن امرأة من قريش، كانت تأكل القديد في مكة) .

  14. ربنا يخليك لينا يا VIP عشان بتفكرنا بقصص الانبياء
    شكرا على مجهودك و كل سنة وانت طيب

  15. السلام عليكم ورحمة الله …..شكراً لك يا اخ فيب العزيز ,,,لم ارى القصة سوى الان واحببت ان اشكرك ولو متأخرة شوية…..ونحن متشوقين لنقرأ بقية القصص…….!

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *