لم تكن مصادفة أن تجد بعض الموسيقيين في المملكة البريطانية يقومون بالعزف على أرصفة محطات مترو الأنفاق تحت الأرض، فهذه الخطوة البسيطة وحدها كانت كفيلة في جعلهم رواد حركة الـ”Under Ground”. ومن إنكلترا إلى ألمانيا بدأت الحركة في الازدهار، وبدأت الفرق الموسيقية في الانتشار، حتى دخلت مصر في سبعينيات القرن الماضي، وبالتحديد عبر فرقتي “المصريين” و”حب وسلام”.
ولكن الحركة ما لبثت أن هدأت واستكانت في التسعينيات، ومنذ ذلك الوقت لم تستطع أي فرقة تحت مسمى الـ”Under Ground” أن تبرز بقوة، حتى إن الحفلات كانت – في حال إقامتها- تفتقد إلى الجمهور، إلى أن جاءت الثورة المصرية.
ثورة الـ25 يناير نفخت الروح من جديد في موسيقى “الأندر غراوند”، لتلعب دوراً محورياً في إحياء تلك الحركة مرة أخرى، حتى أصبحت الفرق المستقلة تتصدر المشهد في بعض الأحيان، لا سيما خلال وبعيد الثورة المصرية، حتى إن البعض أصبح يؤمن بأن تلك الحركة عادت مرة أخرى بعد أن أصبحت ميادين الحفلات الخاصة بالفرق المستقلة ميادين للثوار.
موسيقى عكس التيار حررتها الثورة
على الرغم من كون معظم الفرق ظهرت قبل فترة طويلة من الثورة المصرية، لم تنل شهرتها إلا عقب الثورة، ما يرجعه أحمد حافظ، أحد أعضاء فريق “مسار إجباري” الذي تأسس عام 2005 بمحافظة الإسكندرية، إلى أن الثوار أصبحوا هم جمهور حفلات الفرق المستقلة، وهو ما جعل تلك الثقافة تنتشر وتلك الفرق تلقى مساندة جماهيرية كبيرة.

الأندرغراوند
وأشار حافظ في سياق حديثه لـ”العربية.نت” إلى أن الأغاني الخاصة بفرق “الأندرغراوند” لعبت دوراً كبيراً في الثورة قبيل وقوعها مباشرة، لا سيما أنها غالباً ما تكون الأصدق. أما أمير عيد، عضو فريق “كايروكي”، الذي قدم أغنية “يا الميدان” بصحبة عايدة الأيوبي في أعقاب الثورة المصرية، فيرى أن الفريق الذي تأسس عام 2003 قبل أن يلاقي الشهرة بعد 8 سنوات بحلول الـ2011 لم يلق الشهرة الكافية في بدايته بسبب كلمات الأغاني التي يقدمها، والتي هي مواضيع عكس التيار الذي كان ميالاً إلى الأغاني الرومانسية، إضافة إلى سبب آخر يتعلق بالتضييق الأمني في ظل النظام السابق، حتى جاءت الثورة المصرية محققة لتلك الفرق نقلة في مشوارها الجماهيري.
حتى إن فريق “كايروكي” لم يصدر أول ألبوماته سوى قبل عام واحد فقط، وذلك على الرغم من تأسيس الفريق في عام 2003، وقام بإنتاجه على نفقته الخاصة، وحمل اسم “مطلوب زعيم”. واعتبر عيد في تصريحاته لـ”العربية.نت” أن الثورة منحتهم الحرية، وهو ما جعلهم أكثر جرأة في الموضوعات التي يقدمونها، مشيراً إلى أن الجمهور يرى فيهم صوت الحقيقة.
منع من العرض وتضييق من نقابة الموسيقيين
على الرغم من إيمان الفرق بأن الثورة منحتهم الفرصة في الانتشار وتكوين قاعدة جماهيرية كبيرة، إلا أنها لم تصل إلى المرجو حتى الآن. ففريق “كايروكي” (قدم مؤخراً أغنية حملت اسم “اتجنن” بصحبة عايدة الأيوبي) لديه أغنية تحمل اسم “مطلوب زعيم” تم منعها من العرض عبر التلفزيون المصري، بأوامر من وزير الإعلام، وهو ما أرجعه أمير عيد إلى التخلف وليس التضييق الأمني.
وأكد أن الأغنية ما زالت ممنوعة حتى الآن، في حين يختلف الوضع بالنسبة لفريق “مسار إجباري”، حيث يرى أحمد حافظ أن الأوضاع عقب الثورة جيدة، ما جعلهم يقررون الابتعاد عن الأغنيات التي تحمل معاني الاكتئاب، ولكن تفاقم الأزمات في الشارع المصري من جديد، دفع الفريق لإعادة تقديم أغانٍ “مشحونة بالاكتئاب والهم المجتمعي” مرة أخرى، كل ذلك في كفة ومعاناة الفرق في إقامتها للحفلات في كفة أخرى. أما سبب تعثر الحفلات فيعود إلى عدم حصول معظم أفرادها على بطاقات هوية من قبل نقابة الموسيقيين، ما يجعل معظم حفلاتهم غير قانونية، إضافة إلى الغرامة التي يجبرون على دفعها رغم أنهم هواة في الأصل.هكذا إذا حررت الثورة فرق “الأندرغراوند”، على الرغم من بعض العثرات التي لا تزال تعترض طريقهم الطويل في مجتمع لا يزال يتجرع نوعاً جديداً إلى حد ما من الموسيقى التي لم تكن رائجة من قبل، أصبح للفرق متنفس وصوت يعبر عنها، وجمهور مؤمن دائماً بالقضايا التي تقدمها، حتى إنها أصبحت محركة للشارع الثوري في بعض الأحيان، وتساهم بعض حفلاتها في تكوين رأي عام سياسي.

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *