حين يقف أحدهم في مكان عام، وقد ارتدى “جينزاً” ضيقاً أصفر اللون، مع شعر أشعث كثيف يشابه موضة “الكدش”، وفي يده هاتفه الجوال يحادث شخصاً ما في الطرف الآخر، مفتعلاً حالة حب يستعرض بها أمام الآخرين، فإن الوصف المناسب لدى البعض لهذه الحالة بجميع تفاصيلها هو كلمة “راحوا الطيبين”.
فللتعبير عن كل ما لا يطيقونه، لجأ الكثير من السعوديين إلى كلمة “راحوا الطيبين” التي أصبحت مفردة مألوفة على الأسماع، حيث اتخذت طريقها بالفعل إلى شريحة كبيرة من الناس، الذين وجدوا فيها أداة انتقام من الواقع المزيف، وتعبيراً مختصراً لتبدل أوضاع الحياة وصعوبتها وتعقيداتها مع الحنين والشوق إلى الماضي بكل تفاصيله.
مجرد موضة
وعلى الرغم من أن العبارة تعود لجيل الآباء والأجداد، فإنها انتقلت إلى فئة الشباب، بعد أن أعجبوا بما تحمله من معانٍ.
وفي هذا السياق، أوضح الاختصاصي التربوي، محمد الغروي، في حديثه لـ”العربية.نت”، أنه بالإمكان اعتبار الكلمة مجرد موضة، انتشرت بسبب تحولها إلى كلمة بديلة عن ألفاظ أخرى حادة من الصعب استخدامها للتعبير عن الضجر والملل، فموجات الغلاء، والفن الرديء، والأداء المتكلف، كلها وجوه لكلمة “راحوا الطيبين” .

راحوا الطيبين

ويعود أصل كلمة “راحوا الطيبين” إلى دولة الكويت، حيث ظهرت هناك كمفردة فنية في مسلسلات ومسرحيات الثمانينيات، وانتقلت الكلمة من بلد إلى بلد، حتى استقرت في السعودية. ورغم أن تركيبتها النحوية خاطئة، لأن “الطيبين” منصوبة بالياء والصواب أن يقال “الطيبون”، فإنها لقيت رواجاً واسعاً مع قراءات خاصة للشباب، خاصة تلك التعبيرات التي أضافتها مواقع التواصل الاجتماعي، فالكلمة لم تكن فقط تعبيراً عن تعقيدات الحياة بقدر ما باتت كوميديا ساخرة ومواقف مضحكة في نظرهم، حيث يتم ترديدها والبشاشة تعلوا محيا الجميع إعجاباً بزمن مضى وعجباً من زمن حاضر.
التداول عبر الإنترنت
ولم يخل الأمر من تنويعات جديدة قدمها بعض رواد الإنترنت، في وصف “راحوا الطيبين”، وذلك من خلال مجموعات في “فيسبوك” وحسابات في “تويتر”، وبرودكاستات على المنتديات، للتعبير والتعليق أو التقييم، فمنهم من قام بإعادة إنتاج النكات والتعليقات الساخرة عبر رصد سلوكيات وأفعال الطيبين السابقة، التي اندثرت مع مرور الزمن، ومنهم من آثر استعراض الصور والمقتنيات والحاجيات التي كانت بحوزة الطيبين، وأصبحت جزءاً من تراث الماضي، فيما تحسر آخرون على ذهاب الطيبين من خلال تغريدات دورية تتناول على شكل مقارنات مفاهيم الشهامة والحياء والوفاء، التي تلاشت في أبناء الجيل الجديد، بحسب وصفهم.
أما الجيل الجديد، فلا يخفي تذمره في كثير من الأحيان من مفردة “راحوا الطيبين”، إذ يعتبروها كلمة استعلائية، وأقرب إلى أداة تقييم، حيث قال بعض الشباب في حديثهم لـ”العربية.نت”: “عندما نسمع تحسراً من أحد الآباء على زمن الطيبين يتبادر إلى ذهننا وكأننا الخبيثون، ولذلك صرنا في موقف المناهض لتلك الكلمة”. وأكدوا أن لكل زمن دولة ورجالاً، وأن في جيل اليوم الكثير من الوفاء والحياء، والتي رسمتها مشاهد التطوع في مساعدة الفقراء والأرامل وإنقاذ السكان من الكوارث والسيول.

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *