“الجهاد” عبر نحر وإعدام “ذوي القربى”، فتوى لم تكن جديدة ضمن سلسلة فتاوى “جماعات التكفير” و”الجهاد الثوري”، بل هي سُنة ابتدعت في بادئ الأمر من قبل منظري “القاعدة” وصولا إلى تنظيم “الزرقاوي” حتى بلغت مبلغها لدى “داعش” وأخواته.

الثلاثاء الماضي، أصدرت المحكمة الجزائية في العاصمة السعودية الرياض حكما بإقامة حد الحرابة (القتل والصلب) على اثنين من قتلة الضابط “اللواء ناصر العثمان” (أحدهما ابن أخته)، فيما صدر حكم بسجن المتهم الثالث ثلاثين عاما.

القصة تعود إلى نحو 10 أعوام مضت حين عثرت الجهات الأمنية على جثة اللواء العثمان في عام 2007 بالقرب من مزرعته ببريدة حيث قُتل على يد مسلحين بعدما قيّدوا يديه وقاموا بنحره، فيما تمكنت أجهزة الأمن من القبض على المتهمين وتقديمهم للمحاكمة.

تفاصيل الجريمة ابتدأها ابن شقيقة الضابط “العثمان”، وبحسب اعترافه بتعاونه مع المتهم الثاني في تنفيذ جريمة اغتيال “خاله” العقيد ناصر العثمان أثناء وجوده في استراحته الخاصة عام 1428هـ، مُقراً بمساعدته في تنفيذ الجريمة من خلال تهديده والسيطرة عليه بالسلاح وتكبيل يديه وقدميه، ومن ثم تصوير عملية القتل.

وبحسب شهادة القاتل ابن شقيقة المغدور به خلال جلسات محاكمته التي بدأت منذ 5 أشهر فإن نحره لخاله وفصل رأسه عن جسده، جاء بناء على فتوى منظريه “القواعد” بأن “المجني عليه كافر مرتد بسبب عمله في جهاز أمني، الذي يرى تكفير جميع العاملين فيه واستباحة دمائهم وأموالهم”.

ثلاث مراحل يعبرها “قتلة ذوي القربى”، بدءا بـ “التبرؤ”، ثم الإعلان عن” الولاء” للتنظيم، وأخيرا” تكبيرة النحر” لتصور فتوى “الأقربون أولى بالمعروف” أقبح مشاهدها بعد أن هزت المجتمع السعودي في يونيو 2016، جريمة طعن ونحر التوأم “خالد وصالح” لوالدتهما (67 عاما)، بعد استدراجها إلى أحد مخازن ومستودعات المنزل الخارجية، واللحاق بعد ذلك بوالدهما وشقيقهما الآخر، في محاولة لقتلهما بالسواطير والسكاكين.

سبق ذلك عمليات متتالية، وبدأت بعنصر التنظيم محمد الغامدي، الذي قتل والده، بعد أن أبلغ الأمن عنه، وتلاه رفيقه عبدالله الرشيد، الذي قتل خاله العسكري العقيد راشد إبراهيم الصفيان في يوليو 2015 قبل إقدامه على قتل نفسه في تفجير انتحاري. وبث تنظيم “داعش” تسجيلا منسوبا لداعش “عبد الله الرشيد” موجها رسالته لأمه قائلا:”قتلت أخاك لأنه مرتد”.

فبراير 2016 بدأت أحداث سيناريو جريمة اغتيال جديدة لذوي القربى، كان ضحيتها الشهيد بدر الرشيدي، والتي ارتكبت على يد وائل، ابن خالة الشهيد، وهو أحد الجناة المشاركين في عملية القتل، ويعمل طبيباً في أحد مستشفيات الرياض، بعد أن اتصل بضحيته وأوهمه أن لديه أغراضاً من والدته يريد تسليمها له، وهي مرسلة لوالدة الشهيد بدر، وذلك بهدف استدراجه ومن ثم قتله بالقرب من محطة وقود بين مدينتي بريدة وعنيزة، وتوثيق لحظة إعدام مجموعة من الدواعش للشاب بدر الرشيدي بدم بارد بمقطع فيديو بث عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

سبتمبر 2015 ظهر المدعو “سعد راضي العنزي 21 عاما وشقيقه عبدالعزيز (18عاما) بمقطع آخر يصوران فيه لحظة قتل ابن عمهما مدوس فايز عياش العنزي من منسوبي القــوات المسلحة، بعد أن تم استدراجه في يوم عيد الأضحى من قبلهما لقتله، لتعثر الجهات الأمنية على جثة المغدور في منطقة جبلية شمال قرية (إسبطر) بمحافظة الشملي بمنطقة حائل شمال السعودية.

تعود فتوى “داعش” بشأن قتل القربى إلى الإصدار المرئي الذي أنتجه ما يسمى “المكتب الإعلامي لولاية البركة”، محاضرة دعوية يرجح أن ملقيها سعودي الجنسية، تضمنت تحريضاً صريحاً على قتل الأقارب والأهل بدعوى “المعروف والنصرة، وتطبيقاً لشريعة الولاء والبراء”.

ووفقا لما جاء بالإصدار الذي كان عبارة عن محاضرة دعوية، مصورة في إحدى المناطق التي يسيطر عليها “داعش”، كانت الدعوة لـ”المناصرين للبراء من أهلهم أولاً”، معتبرين ذلك من “المعروف” الذي جاء في القول المأثور “الأقربون أولى بالمعروف”، وقتلهم ثانياً، وتخصيص القتل للأهالي الموظفين في السلك العسكري”.

وأكد المتحدث الداعشي في خطابه أنه: “بهذا العمل يقوم الدين”، قائلا: “إلى الأخوة في جزيرة العرب ممن حبسهم العذر، تبرأوا من أقرب الناس إليكم، فذلك هو المعروف والأقربون أولى به، تبرأ من والدك وأخيك وعمك، فأعظم المعروف الولاء والبراء، وإن كان أحدهم يعمل في السلك العسكري فتبرأ منه أولاً، واقتله ثانياً، وحرض من تعرف على البراء والقتل. وإن رأيت أحداً يود النفير قل له لا تنفر، اقتل جنديين أولاً ثم انضم إلى صفوف التنظيم”.

الجدير بالذكر، أنه تم في يناير 2016، تطبيق حكم الإعدام بحق فارس أحمد جمعان آل شويل الزهراني، الملقب بـ”أبو جندل الأسدي”، من بين 47 متهماً، منهم أربعة قتلوا بحد الحرابة “أي محاربة الدولة”، والباقون قتلوا بحد التعزير في يناير 2016.

تعود أهمية “آل شويل” من بين من نفذ بحقهم حكم الإعدام إعادة الإشارة إليه في مسألة قتل واستباحة قتل ذوي القربى، إلى اعتباره المنظر الأول للأفكار التي يتبناها تنظيم القاعدة، فمن بين الـ9 كتب التي عكف على تأليفها والأكثر شهرة “الباحث عن حكم قتل أفراد المباحث”، وهي رسالة في تأصيل جواز قتل أفراد المباحث السعودية، إلى جانب كتاب آخر بعنوان “وصايا للمجاهدين”، يضم مجموعة وصايا للمقاتلين في صفوف القاعدة، والجماعات التكفيرية الأخرى في أحوال كثيرة كالاعتقال، أو التحقيق، أو كيفية تنفيذ العمليات الإرهابية.

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *